زاد الروحـــ

بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام علي رسول الله و علي اله ومن والاه
وبعد. .

رمضان له في نفوس الصائمين الصادقين دهشه وله في قلوب المتأدبين فرحة هو شهر الطاعات لنا فيه جميل الذكريات انه زاد الروح تتغلب الروح فيه على البدن والجسد الانسان روح وجسد ما هي الروح وما علاقتها بالصيام ابن الاثير رحمه الله يقول وقد تقرر لفظ الروح في الحديث كما تقرر في القرآن وله معاني عده والغالب منها ان المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وتكون فيه الحياة يقول وقد اطلق القرآن وعلى الوحي وعلى الرحمة وعلى جبريل ، والروح مذكر ومؤنث ثم لا يمكن ان يحوم حول حقيقة الروح حائم ، و لا يعلم كهنها الا الله تعالي ، و لما اليهود الرسول صلي الله عليه وسلم ماذا كانت الاجابة ؟ نزل قول الله تبارك وتعالي " يسئلونك عن الروح قل الروح من امر ربي "[الاسراء:85] ، قال الفراء في معني هذه الاية من علم ربي اي انكم لا تعلمونه ، وروى الازهري بسنده عن ابن عباس في قوله " يسئلونك عن الروح "[الاسراء:85] ان الروح قد نزل بالقران بمنازل اي بمعان متعددة ، و لكن قولوا كما قال الله عزوجل " قل الروح من امر ربي وما اوتيم من العلم الا قليلا "[الاسراء:85]..

الروح سماوية علوية و الجسد ارضي سفلي ، عند موت الانسان كل يتجه الي اصله فالروح إلى السماء و الجسد إلى الأرض ، ومن الناس من همته في الثري و منهم من همته في الثريا ، و منهم من يسعى الي حياة الروح ومنهم من يسعى الي حياة الجسد ، حياة الروح في وصالها بالسماء ومحبة الله ، في مراقبة الله و خشيته في الإخلاص لله ، الروح و الجسد لا غني لأحدهما عن الآخر إلا إذا أصبح الجسد لا هم له إلا شهوته و هواه كما هو حال بعض الناس ، و قول النبي صلي الله عليه و سلم كما رواه ابو هريرة " تعس عبد الدينار ، و عبد الدرهم و عبد الخميصة ، ان اعطي رضي و ان لم يعطي سخط "[رواه البخاري] ، بعض الناس لا هم له الا شهوات الجسد ورغبات الجسد ومن الناس فعلا من نسى روحه و غفل عنها و عن حقوقها ، و اصبحت حياته هموما و اكدارا و احزانا..

مساكين و الله هؤلاء خرجوا من الدنيا و ما ذاقوا أطيب ما فيها ، و اطيب ما فيها حلاوة الايمان و لذة الطاعة خاصة في رمضان ، الانسان جسد و روح و شهوة و عقل ، الجسد و الشهوة معا و الروح و العقل معا ، متى شبع البطن تحركت الشهوة ، واذا خلا البطن هدأ الجسد وانطلقت الروح و تنشط و لذلك في الصيام حلاوة لا يدركها الا من عبد الله بصدق و لا يعرفها الا الذين خالطت بشاشة الايمان قلوبهم ، هذه هي الروحانية العجيبة التي نحياها في رمضان ، الله اكبر ، روحانية صائم بذرها بالجوع و سقاها بالدموع ، وقواها بالركوع لتنبت الخشوع و الخضوع ، روحانية صائم فيها السعادة و اللذة و الافراح و الاشواق ما لا يستطيع لسان ان يبينه ، هكذا الانسان بل و الله لا يصفا بيان ، روحانية صائم هي في افراح وافراح ، روحانية صائم فيها من الحنين الي جنات النعيم مالا يعلمه و لا يخطو له الا تورمت له الاقدام ، وسمع الانين و هكذا احوال الناس في رمضان ..

هكذا احوال الناس في رمضان لو تأملتم في الحرم و في المساجد كيف حال الناس في الركوع و السجود و الانين ، روحانية صائم لا يعرفها العاشقون و لا المتصوفة الواجدون بل هي و الله حكر علي المحبين الصادقين ، روحانية تخلصت من الهوى و الشهوة ، و حيل الشيطان و حيل النفس الضعيفة ، باختصار روحانية صائم عاش صاحبها في جنة الدنيا ، في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الاخرة ، ولكن و تامل معي اخي الحبيب معاشر الصائمين و الصائمات هذه افراح الروح عند انتصارها و عند فك اسرها من شهوات الجسد و لذلك يقول ابن القيم رحمه الله كلمة جميلة " الروح المطلقة من اسر البدن وعلائقة و عوائقة من التفرط و القوة و سرعة الصعود الي الله و التعلق بالله ما ليس للروح المهمومة المحبوسة بعلائق البدن و عوائقه "



اطلق الارواح من اصفادها فاذا هي من الاتقياء
غاديات رائحات كالسما سابحات بين افاق الضياء
انها يا شهر ظمئ فاسقها مشتهاها من ينابيع الصفا
شهوة الاجساد قد القت بها في سباق ليس فيه الروى
ما غذاء الجسم في الوانه فيه للارواح شئ من شجاء
انما الارواح تحى بالذي فيه صيانة الجسم توجيه السماء
يا الروح اقبل واعطها صولتان من الحقن في دنيا الشقاء
كي يعيش الناس من آلائها في ارتقاء و ازدهار وارتقاء
هل جري هل الحجي ام ما الذي شغل الانسان في الارض اشتهاء
دورة الشيطان في وجدانه طعمة فيها من الاحراق داء
ليس فقط الا بزهد انفس في طعام عنها في غناء
و اطمئت في حياة الروح فابتغي الا لقيمات و ماء
انما سلطانه من دونه كل سلطان به الانسان باء
حسبه ان اخضع النفس التي تسترق الناس حتى الاقوياء

يا اهل رمضان ، انه شهر الروح هذه الروحانية لا نعرف كهنها ، و لا نستطيع وصفها ، حتى من ذاق حلاوتها و عرف طعمها من تلك الاسباب الذين ذاقوا طعمها ما استطاعوا و الله ان يصفوها ، بل ما استطاعوا ان يعبروا عنها ،الا بالفاظ عامة لا تفصح عن حقيقة الشعور اسمع بهذا اراد ان يعبر و اراد ان يقول فاذا به يقول " انه يمر في قلبي لحظات أقول ان كان اهل الجنة في مثل هذا فانهم لفي نعيم " ، انه الشعور العام لا يستطيع بوصفه اكثر من هذا فان لم ترها العين فقد ابصرها القلب ، اليس يقول ذالك القائل " انا جنتي في صدري فماذا يصنع اعدائي بي ، سجني خلوة و نفي سياحة وقتلي في سبيل الله شهادة " ..ثالث يقول من لم يجد ما يعبر به عن السعادة و اللذة و الروحانية التي يجدها الا بقوله :" ان في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الاخرة " ، هكذا استطاعوا او حالوا ان يعبروا عن هذه الروحانية .. انها حلاوة الايمان طعم الصلة بالرحمن ، ان حلاوة الروح لا تنطق بالكلمات انما تسكن في القلب ، فيعيش جمالها ، هكذا هي الروحانية ، هكذا هي حياة الروح ..

فهل نتأمل لها اخوة الايمان و هل نسعد بها ، هل نعيش جمالها في رمضان هل نبحث عن حياة الروح لتستشعر هذه الروح ، حقيقة رمضان و حقيقة الصيام لله ، لا يخرج رمضان هكذا دون ان نستشعر و ان نحيا هذه المعاني الجميلة تعالوا نتعاون ، تعالوا نبحث عن هذا الكنز العظيم ، في رمضان انها روحانية صائم ، فهل يا تري سنجدها في مثل هذا الشهر الكريم ، اسأل نفسك اخي ، و انت تعيش هذه الايام الجميلة ، هذا الشهر المبارك ، فضل الله عليك ، فضل الذي امد في عمرك حتى اصبحت من اهل هذا الشهر اسال نفسك..


لماذا يدخل هذا الشهر و يخرج دون ان استثمره حق الاستثمار ؟

فان لشهر رمضان معني اراده الله تعالي من صيامه ، و صدقاته وطاعاته وله حلاوة و للاسف الكثير الكثير من الناس اليوم لا يستشعرون هذه الحلاوة ، بل يستثمرون رمضان فعلا كما اراده الله لنا ، ان علينا كمسلمين ان نستشعر هذا الشهر و جماله وروحانيته ،علينا ان نستثمره كمحطة تمويل لهذا القلب الذي بين جنبينا ، ليشعر الانسان منا بجمال و روعة رمضان ..

و للاسف هناك الكثير كيف حالهم مع رمضان ، منهم من ينامون بالنهار و اذا قاموا بالليل ماذا يفعلون ،ضاع عليهم جمال رمضان ، و هم ربما يعيشون للذات و لكنها لحظات ، ولكن المعاني الحقيقية في رمضان بجماله و روعته التي ارادها الله عزوجل محرومون منها ، تعالوا واياكم نعيش في مثل هذه الحلقات الجملية ، و تلك المعاني الجميلة الرائعة التي ارادها الله تعالي من الشهر الكريم لا تحرم نفسك اي و الله لا تحرم نفسك ، اذهب و ناقش وحاور و جاوب ، وعاهد نفسك و رتب امرك انما هي ايام فان لم تتزود منها و تعيش جمالها فانت محروم ، فاياك اياك ان تكون محروما ..

نسال الله تعالى ان يعيننا علي انفسنا و يرزقنا هذه الروحانية الجميلة الرائعة ..و اجعله اللهم من مواسم الخيرات لنا.. اللهم بارك لنا في رمضان ووفقا لصيامة وقيامة اقبلنا فيه.. اللهم تقبله منا برحمتك ..اللهم اجعلنا من الفائزين فيه واختمه لنا بالقبول والغفران فإعنا فه ويسره لنا ووفقنا انك على كل شئ قدير.



الشيخ/ ابراهيم الدويش